كان الإعلان عن اغتيال الإيراني هيثم الطبطبائي رئيس أركان "حزب اللّه" كافيًا لتجديد طرح السؤال على المسؤولين اللبنانيين: كيف يمكن الحديث عن الاستقلال في لبنان وهو ما زال رازحًا تحت الاحتلال الإيراني شكلًا ومضمونًا وهذا يُسقِط الاستقلال والسيادة، بوجود جيش موازٍ يأتمر بأوامر طهران ويتمرّد على الدولة ويسحب لبنان نحو المزيد من التدمير والتخريب وعبثية الصراعات.
احتفلت بيروت بذكرى الاستقلال بألوان العلم اللبناني والألعاب النارية، لكنها تعرّضت للانتهاك بوجود القائد الإيراني لـ "الحزب" هيثم الطبطبائي في بناية سكنية وسط المدنيين، وباعتداء إسرائيلي جديد على الضاحية الجنوبية وعلى العاصمة، لتتجدّد الإشكالية حول جدوى سلاح "الحزب" وتحويله المدنيين إلى دروع بشرية، وصولًا إلى السؤال الكبير المطروح على الدولة اللبنانية حول ماذا ستفعل في قضية السلاح غير الشرعي، بعد أن أغلقت الغارة الإسرائيلية الباب على مبادرة الرئيس جوزاف عون وعلى المبادرة المصرية التي تطرح علميًا تجميد السلاح لسنوات محدّدة تحت عنوان الضمانات العربية.
لا يحمل الطرح الرئاسي والمصري حلًا حقيقيًا لمعضلة السلاح غير الشرعي، بل يشكّل تغطية لتمرير الوقت الذي يعمل في إطار الرئيس عون، وحلًا لمصر التي تريد إبقاء العقبات أمام نتنياهو حتى تؤخر أو تعطل ما بعد غزة ولبنان، وهو طرح قد تكون له حساباته في غزة، حيث لا توجد دولة وليس هناك أفق سياسي واضح، لكنه في لبنان تدمير كامل للدولة القائمة التي لن تتعافى إلّا بإزالة الكيان العسكري لـ "حزب اللّه" وتفكيك بنيته التحتية.
أسوأ ما في المشهد السياسي تقلّص المسافة الفاصلة بين الرئيس عون وبين "حزب اللّه" حتى بدا كأن عون بات في معسكر "الحزب" ومصطفًا معه في إعادة الاعتبار إليه تحت عنوان مراعاة الطائفة الشيعية، وتجنب الحرب الأهلية (التي قد يقوم بها "الحزب" نفسه صاحب الاغتيالات والعدوان على العرب)، وهذا مشهد كافٍ لاستفزاز اللبنانيين وكلّ أصدقاء لبنان من عرب وأميركيين ودوليين، وكأن الرئيس يدفع بالقسم الأكبر ممن أعلن تأييده في خطاب القسم ليصبحوا أبعد عنه، فقد ألغى خطابُه في الجنوب مفاعيل خطابه الرئاسيّ الأول.
يطرح الرئيس نواف سلام الحلّ المباشر وهو "التطبيق الكامل للقرار 1701، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية، وتمكين الجيش اللبناني من الاضطلاع بمهامه"، وفي السياق نفسه طلب الدكتور سمير جعجع من الرئيسين عون وسلام "دعوة مجلس الوزراء إلى جلسة طارئة لوضع قراري مجلس الوزراء في 5 و 7 آب موضع التنفيذ، وإجراء مشاورات سريعة وفي العمق وبالتفاصيل كلّها مع الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وبقية أصدقاء لبنان، للاستعانة بقدراتهم على وقف الاعتداءات الإسرائيلية نهائيًا، وسحب إسرائيل من لبنان، والعودة إلى اتفاقية الهدنة لعام 1949".
ما جرى في الضاحية يشكّل دعوة للرئيسين عون وسلام إلى التفاهم على البدء بتنفيذ خطة نزع السلاح وعدم انتظار المزيد من التصعيد الإسرائيلي، لأن إعادة الشرعية لسلاح "الحزب" والتراخي في الإجراءات الميدانية جنوب نهر الليطاني وشماله، سيؤدي إلى فتح المزيد من أبواب الجحيم على لبنان، والأخطر أنه سيؤدي إلى تقويض الوحدة الوطنية، فالأغلبية التي دعمت خطاب القسم والبيان الوزاري للحكومة، لن تبقى على صمتها إزاء التسامح مع عودة استقواء "حزب اللّه" بالدولة لاسترداد هيمنته على اللبنانيين، فهذا خطٌّ أحمر لا يمكن قبوله، فهناك فارق شاسع بين الحفاظ على الطائفة الشيعية كمكوّنٍ وطني، وبين تبرير الاحتفاظ بالسلاح في وجه شركاء الشيعة بعد أن أعطى نعيم قاسم الأمان لسكان المستوطنات الإسرائيلية، ولم يفكِّر بإعطاء الأمان للبنانيين.
لا يمكن القبول بعملية تبييض صورة "حزب اللّه" التي يبالغ الرئيس عون في القيام بها تحت عنوان أنه مكسور ومقهور ويجب التعاطف معه، متناسيًا أن هذا "الحزب" هو نفسه قاتل رفيق الحريري وبقية شهداء المواجهة مع محور إيران، وأنه هو نفسه مرتكب انقلاب السابع من أيار، وأنه مرتكب الفظائع في سوريا والعراق واليمن... وفوق هذا كلّه يتمرّد على الدولة ويريد الإبقاء على السلاح.
اللبنانيون يا فخامة الرئيس هم الذين ذاقوا ارتكابات "الحزب" بحقهم وبحق مؤسّسات الدولة، وهم الذين ينبغي الوقوف عند خواطرهم لا احتضان "حزب" تسبّب في تدمير لبنان وكان المسؤول عن الفساد والاهتراء الداخلي الذي عاناه لبنان بسبب ارتهانه للمشروع الإيراني.
(احمد الايوبي- نداء الوطن)